المزيد
لا تحزن
د. عادل خلف
لن أتناول هذا الموضوع من وجهة نظر الفلاسفة والصوفية، فأهل التخصص يعلمون جيدا أن فلاسفة الإسلام، ومن قبلهم فلاسفة اليونان وحكماء الشرق، وكذلك فلاسفة المسيحية، وفلاسفة العصر الحديث والمعاصر تناولوا هذه الإشكالية من وجهة النظر الفلسفية، بل وافردت مؤلفات بعينها لتحقيق السعادة، مد وما أسباب شقاوته، وكيف نبث روح التفاؤل والأمل من جديد، فالكندي طرح هذا الأمر في رسالة الحيلة في دفع الهم والحزن والفارابي في تحصيل السعادة، والغزالي في كيمياء السعادة، لكن تناولنا لهذه القضية سيكون مختلفا وبصورة مبسطة لأن خطابنا موجه للجميع.
عندما أنظر في وجوه الناس الذين أقابلهم سواء في الشارع، في المقهي، في العمل، في السوق ، أشاهد وجوها شاحبة، بسمتها يغلفها الحزن، وجوه شابة، نعم مبتسمة لكن بسمتها ليست صافية تشعرك أن خلفها يسكن ألم وحزن وضيق وخوف ، فلم الألم، ما الذي أصابنا، ما هي الضغوط التي جعلت الجميع يأن ويتألم ويكتم ألمه ، ما الذي يخيفنا، ما الذي يقهرنا ، ما الذي يحزننا.
نظر النبي صلي الله عليه وسلم في جنبات مسجده فوجد رجلا داخل المسجد في غير أوقات الصلاة ووجده حزينا مهموما فسأله النبي ما بك ، قال يا رسول الله هموم لازمتني، قال طبيب القلوب لا يزال لسانك رطبا بذكر الله .
فاعلم يا أخي أنه ليس هناك هموم طالما أنك تبيت آمنا في سربك معافا في بدنك ، نمت علي كلمة التوحيد واستيقظت وجدت لسانك رطبا بها فاعلم أنك حزت الدنيا بحذافيرها ونلت رضا الله تعالي ، وفوزت أيضا بالدار الآخرة، فليس بعد الشرك ذنب ، إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
أما أنك ثقلت عليك هموم دنيوية ضيق في عيش وعدم سعة في الرزق.
أقول لك أبحث واسعي واطلب الرزق من الرزاق وانظر الي اسم الله الرزاق اسم وصفة ورزاق زنها علي فعال أي أنه رزقه ما له من نفاد فالذي يرزق النملة السوداء في الليلة الظلماء تحت الصخرة الصماء لن يعجزه رزقك وهو القائل (ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين)وهو القائل(وفي السماء رزقكم وما توعدون).
فرزقك موجود في عالم الذر، قبل أن يخلق الله الخلق، فما من مولود يولد إلا ورزقه مقسوم وعمره مكتوب، وشقاؤه أو سعادته ، كل ذلك قدره الله في عالم الغيب ، وكل شيئ عنده بمقدار.
ولتعلم أن رزقك لن يأخذه غيرك ، كما قال الحسن البصري رحمه الله، علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فطمئن قلبي ، لكن علينا السعي وعلي الله قصد السبيل وعلينا الأخذ بالأسباب والتوكل علي رب الاسباب، ليس معني ضيق في الرزق يقودك إلي الاكتئاب والضيق والضجر ويقودك إلي التهلكة، كأن تلقي بنفسك أمام قطار أو تشعل النار في نفسك أو تلقي بنفسك من مكان شاهق الإرتفاع بغية التخلص من متاعب الحياة .
إنها الحياة التي تحمل ماتحمله من المتناقضات فهاهو يوم سعيد وهاهو يوم غير سعيد ولا تحسبوه شر ، ربما يحمل خيرا أفضل، إنها الحياة يوم ضيق وآخر رغد.
ألم يقل الله عنها (لقد خلقنا الانسان في كبد )، ألم يقل المعصوم صلي الله عليه وسلم اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم .
أو حدث لك إخفاق في أمر ما كأن ترسب في ترقيتك مثلا هل تهيم علي وجهك وكأن الحياة توقفت، هذا استسلام وانهزام والله أمرنا بعدم الاستسلام وانما إعادة المحاولة مرات، وفي النهاية ستتحقق أمانيك، أو تفوقت في دراستك وبنيت آمالا علي أن تعين في منصب مرموق وأخذه منك فلان لأنه ابن فلان، وأنك لا حيلة لك ، لا والله ما يأتي سهلا يذهب سهلا، والله بالغ أمره سيرزقك من حيث لا تحتسب وسيهيئ لك من سيأخذ بيدك ، فلا تهن ولا تحزن وأنت الأعلي والله حسيبك .
ألم يكن لنا في رسول الله الأسوة الحسنة أوذي وتورمت قدماه الشريفتين وأدميتا ولم يكل ولم يمل الدعوة إلي أن أظهر الله دينه وأصبح دين القيمة.
أصبت بفاجعة فقدان الإبن أو الأخ أو الأم أو الأب أو الزوجة.
تذكر يا أخي هل هناك فاجعة أعظم من فقدان النبي صلي الله عليه وسلم وموته .
أصبت بكذا أو كذا أو كذا .
يا صديقي إنها فلسفة الحياة لاتدوم علي وتيرة واحدة .
علاجنا بأيدينا، العودة قلبا وقالبا عود بالكلية إلي الله لأن الله وحده كافيك وحسبك .
أطرق بابه وألح في الدعاء فكتبت الاجابة لمن أدمن الطرق ، وعليك بالصلاة (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين).
ولاتقنط من رحمة الله قد تتأخر الإجابة لكنها حتما ستأتي ، وداوم علي الطاعات والعبادات فبدلا من الانتحار والله تعالي وهبك الحياة لتعشها وتحياها وتعمر الأرض حرثا ونسلا، لا أن تهلكها باهلاكك لنفسك، فتخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، داوم وواظب علي الاستغفار .
ضاقت عليك الأرض بما رحبت استغفر الله ضاق رزقك استغفر الله .
مشاكلنا كثيرة نعم لاننكر ذلك ولكن رحمة الله أوسع، همومنا تنوء من حملها الجبال لكن فرجه قريب،،قل يا الله (أمن بجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء).
(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان) .
قل يا مغيث أغثنا، يا رحمن الدنيا والآخرة
ورحيمهما أرحمنا.
ركعتين بسجدتين بدمعتين فهو الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، فهو الذي يسمع دعائك وهو الرءووف الذي يرأف بك أكثر من والديك فكيف تقف بابه ويردك، وكيف يردك وأنت الذي شهدت له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة، كيف يردك وهو لا يرد الكافر والملحد، كيف تلق الله ياأخي وقد فرطت في أمانته التي جعلك رقيبا عليها كيف تلقاه ماذا ستقول له يوم تلقاه ويسألك لماذا قتلت نفسك ، لماذا لم تسألني ، لم تعجلت الاجابة.
يا سادة أدعوكم وأدعوا نفسي إلي زيادة التقرب إلي الله بصدق وإخلاص النية .
فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعبادة.
أرواحنا ليست ملك لنا وانما نحن مستأمنون عليها فحافظوا عليها واتركوها لصاحبها يأخذها في وقت قد وقته لها.
جاهدوا أنفسكم ولاتجعلوا للشيطان عليكم سبيلا.
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين).