آدب وفنون
شهوة البئر

إبراهيم ياسين
ينتهي كل شيئ حين يعطش البئر…
هيا يا مدادي نملأ الدلو بالحبل المنهك!
من أي الآبار نرتوي؟
حان وقت الرقص في الفراغ دون وجهة ولا بوصِلة!
نام قوس قزح على خصر الشمس
نحر الراعي خرافه قربانا!
كم أنا قبيح! قال القمر وبكى
احتضنته جفون الغيوم ، خبأته!
الإوز في البِركة يخرج للثعلب لسانه
يسخر الببغاء من سجانه…
في قونية؛
بئر احتضن روح التبريزي…
هل ابتلعه الغيهب؟
بَكتهُ سُحب الرومي
لِمَ لم يسجد لعلياء السماء؟!
وصلت شمسه لمستقر لها!
والبئر ظمآن…
لا أخشى الرحيل بل الحياة
سأكتب للرحيل قصيدة الأبيض الوحيد
فوق الرمادي متسع من الوقت للأسود
البهجة ترقص على البالونات كالنهود في حضرة معشوقها
أيتها الحياة، يا عاهرة دون تسعيرة
أيها الكون المملوء بالذهاب والغياب
ما الذي يقوله الشعراء في قبورهم؟
هل اخترعوا لونا جديدا؟
ما طعم المفردات هناك؟
هل هناك مجانين وضوء ينبثق من روح الكلمات؟
هل هناك عناقيد عنب تستحم بالفجر؟
هل يذرف الرمان دما حلوا؟
هل يصبغ التوت والدراق سماوات الغيب؟
أواه يا نافذة غربتي…
علام تبتهجين وقت الشروق؟
نوما هنيئا يا صديقي! صوت القهوة على النار
العصفور خجول…
كم أنت جميل أيها الصغير!
أبتي؛
هل القبر مخيف؟
هل لديك بريد لأرسل لك كتبك وقواميسك؟
أي صحيفة تقرأ في الصباح؟
أتتناول فطورك مع عابري السبيل في حديقتك تحت شمس شباط، وتذهب مع الفلاحين لحقول نيسان؟
هل تُعلم أحدهم الفلسفة والرياضيات؟
هل هناك صلاة للجمعة؟ وبرتقال!
ما لون أحلامك؟
قل لي بحق السماء؛
ماذا وجدت كي لا أقع في الشرك؟
هل للعلم هناك بريق الذهب وروعة الجسد العاري؟
كيف كان لقاؤك بأبيك وأخيك؟
هل صحيح للملائكة أجنحة؟
بأي عيون يبكي الموتى وبأي شفاه يبتسمون؟
ماذا وجد الباحثون في مراجعهم وهي تحترق في النار؟
هل النساء هناك يردن حبا ومالا؟
هل لازالت السلطة والجنس شغف الرجال؟
أبي ، لم أر أحد عشر كوكبا…
ركضت مع الشمس في البساتين
غِبت معها تحت جلد الغسق
ناغيت القمر على أرصفة الليل! وانتظرت الربيع…
كل ما قلت عنه حراما ، اقترفته وأكثر…
ضربت بكل تعاليمك عرض الحائط!
أقول لك سرا يا أبي…
ليس في الحياة سوى ثرثرة الريح!
ساعة يخبرني أحدهم؛ نعم أنت محق…
مطرق الرأس؛ أفتش في التراب!
ألن ترسل لي دعوة لزيارتك؟!
العقدة حول رقبة الحبل؛ السجان والمسجون
الدلو عطشان يحلم بالسقوط الأخير
واللامنتمي طائر!